recent
أخبار ساخنة

الحصن بقلم محمد علي الشامخي

الحصن بقلم محمد علي الشامخي

 



كان يا ما كان في قديم الزمن مملكة فريدة، أسوارها عالية و خيراتها وافرة، أنهارها تتدفق في كل فصل و أشجارها مثقلة بالخير في كل آن و على أسوارها عسس كالنمل، أهلها طيبون إذا ضاق بهم الحال تكاتفوا و إذا كثرت النعم تقاسموها فما بات فيها فقير و لا طاف بأزقتها سائل، و كان للمملكة ملك عادل و لحبه للعدل أسمى إبنه الشاب "العادل"، كان ملكا يشبههم لولا التاج لنسي الناس مكانته، إذا مرض أحدهم عاده و واساه و إذا تزوج من رعاياه شاب زاره و شاطره فرحه و ٱستمر الأمر ردحا من الزمن يئس فيه الحزن من أهل هذه الديار حتى كاد يغادرها.
كان للملك وزير حكيم يستعين به في شتى أموره حتى أثار موقعه من قلب الملك حفيظة أعدائه و صاروا لا يطيقون سماع إسمه ، إذا لاقوه لاقوه باسمين و إذا خلوا إلى بعضهم أبدوا من الكراهية له ما لو إختلط بماء البحر لسوّده. و كان بينهم وزير خسيس يتظاهر بالتقى و الورع و كان أكثرهم طمعا في السلطان و تهف نفسه للتيجان و ٱضطرمت في قلبه نار العداوة للملك و وزيره الحكيم و أضمر الشر و شرع يحتال بكل حيلة ليتقرب للملك زلفى عله ينال ثقته و كان صبورا لا  يثنيه طول الزمان عن مراده و كان له من الشركاء ثلة من الوزراء الذين أغراهم بالجاه و قائد الشرطة الذي وعده برئاسة الوزراء.
فإذا كان يوم الإحتفال بعيد ميلاد الملك دس في جيب الوزير الحكيم قنينة عطر فسأله الوزير الحكيم عن سرها فقال:
_ذاك عطر جاءني به صديق من أقصى البلاد فوددت أن أهديك إياه فيفوح عطرك كما فاح ذكرك.
_إنه عيد ميلاد السلطان و هو أولى مني به فهبه له يكن لك من الشاكرين.
_هو الآن ملك لك فٱفعل به ما تشاء فإن شئت ٱستأثرت به لنفسك و إن شئت منحته للسلطان و أنت في ذلك مخيّر.
إبتسم الحكيم شاكرا و عزم على أن يؤثر السلطان على نفسه فهو في قلبه بمنزلة الحبيب و هما صديقان لا يفترقان إلا للنوم.
طبعا، سيدي القارئ، و كما دأبت على ذلك حكايا الأطفال و كما أشار عليك عقلك النبيه، ذهب الوزير المحتال من فوره إلى الملك و أعلمه بأن وزيره الحكيم و خليله المصطفى يريد به سوءا و أشفع ذلك بشهادة من بعض الوزراء يقرون فيها بأن الحكيم حرضهم على الملك و أعلمهم بأنه سيجعل من عيد ميلاد الملك نهاية لحكمه و زوالا لسلطانه و أنه ملّ دور التابع فأطاعوه و في نيتهم إخبار الملك و إنقاذه.
ثم كان المجلس المرتقب، و لم يأت الحكيم، لقد شك في أمر القنينة ففض غطاءها و جرب ما فيها على بعض الحيوانات فسقطت من حينها و عرف أن العطر سم و أن الخطة معدة لإرساله إلى المقصلة ففكر و فكر ثم دبر و عزم و سار عبر الشوارع حتى بلغ القصر.
وجد الملك في صدر المجلس و من حوله حاشية من الوزراء و علية القوم و عدد من السكان غصت بهم القاعة جاؤوه بالهدايا و العطايا فحياه و جلس بين يديه و قال:
_ملكنا الذي غمرنا بعدله و خصني بقربه أتسمح لي بإعتلاء العرش
إندهش الحاضرون و ٱرتبكوا
_نعم، ليس في ذلك حرج
فقام الملك و جلس الحكيم محله
_مولاي لقد وهبتني عرشا بلا تاج
فمده الملك بتاجه و قد غلبته الدهشة
_سيدي، أيجعلني مقامي هذا ملكا؟ أيصيرني التاج سلطانا؟
_لا
_سيدي ؛ أتمنحني عرشك إذا طلبته منك؟
رد الملك
_: حبا و كرامة فإني ما قربتك إلا لثقتي في نقاءك و ما بلغت البلاد هذا العز إلا بصواب رأيك و حسن تخطيطك
_فما حاجتي إلى تسميمك؟، و ما حاجة وزير حاقد إلى إرسالي إلى حتفي و التدبير لهلاكي؟.
تعانق الرجلان في الوقت الذي كان فيه الوزير الخبيث قد غادر القصر مهرولا مستغلا كثرة الخلق داخل القاعة، بحثوا عنه فلم يقعوا له على أثر و كيف يعثرون عليه؟ و قد سهّل قائد الشرطة هروبه و هاهو يبتعد عن أسوار القلعة يعدو به الحصان و في قلبه نار تلظّى و حقد أعمى، لقد فشلت خطته لكنه صار أكثر عزما على حرق المدينة بمن فيها فليس لهذا الهارب شيء يخشاه بعد أن كشف أمره تاركا الوزراء الذين ساعدوه لقدرهم.
عادت الحياة إلى سالف دأبها و تناقل الناس أخبار الملك و الوزير و أنشدوا لهما الأغاني و كتبوا في صدق مودتهما الأشعار. هدأت العاصفة و لم تهدأ نفس الحكيم و لم ينجح الملك في تطمينه فقد كان يعرف أن ما حدث من تآمر هو بداية لأمر ما ... أمر خفي جلل ... أمر قد يجعل هذه السعادة من الماضي ...

يتبع
بقلم:محمد علي الشامخي
author-img
oussama ahmed

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent